قليلون هم من يرون بأعينهم ويشعرون بقلوبهم 

قصة أبناء نزار بن معن مع الأفعى الجرهمي


كان لنزار بن معد أربعة أبناء :
إياد وبه يكنى ،وانمار، وربيعة ، ومضر
فلما حضرت نزاراً الوفاة دعا بجارية شمطاء ، فقال لإياد :
 هذه الجارية وما أشبهها من مالي فلك
 ثم اخذ بيد مضر فادخله قبة حمراء
 ثم قال هذه القبة وما أشبهها من مالي فلك
 ولذا قيل مضر الحمراء
 ثم اخذ بيد ربيعة وقال له : هذه الفرس الأدهم والخبأ الأسود وما أشبهها من مالي فلك
ولذ قيل : ربيعة الفرس
 ثم اخذ بيد انمار وقال : هذه البدرة والمجلس وما أشبهها من مالي فلك
 فان أشكل عليكم هذه القسمة
 فأتوا الأفعى الجرهمي – وكان ملك نجران- حتى يقسم بينكم وترضوا بقسمته
 فلم يلبث نزار حتى هلك
 وشكلت القسمة على ولده فركبوا قاصدين الأفعى
 حتى إذا كانوا منه على يوم وليلة من ارض نجران
 وهم في مفازة ، إذا هم بأثر بعير
 فقال إياد أن هذا البعير الذي ترون أثره لاعور
 فقال انمار : وانه أبتر
 وقال ربيعة وانه لازور
 قال مضر وانه لشرود
 فلم يلبثوا أن أتي صاحب البعير
 فسألهم قائلاً : هل رأيتم بعيراً ضالاً في وجودكم (وجوهكم) ؟
 قال إياد : بعيرك اعور؟
قال فإنه لاعور
 قال انمار بعيرك أبتر ؟
 قال فإنه لأبتر
 قال ربيعة بعيرك ازور؟
 قال فإنه لازور
وقال مضر : كان بعيرك شرود ؟
 قال فإنه لشرود
 فأين بعيري؟ دلوني عليه
 قالوا والله ما حسسنا لك بعير ولا رأيناه
 قال انتم والله أصحاب بعيري وما أخطأتم من نعته شيئاً
 قالوا ما رأينا لك بعير
 فتبعهم حتى قدموا نجران، فلما اناخوا بباب الأفعى استأذنوا عليه ، فأذن لهم
 فلما دخلوا صاح الرجل من وراء الباب : أيها الملك هؤلاء اخذوا بعيري
 فدعا به الأفعى فسأله عن شأنه ، فقال:
أن هؤلاء ذهبوا ببعيري
فقال لهم الأفعى : ما تقولون؟
 قالوا رأينا اثر بعير
فقال إياد : انه اعور
 فقال ما يدريك انه أعور؟
 قال رأيته يرعى الكلأ من شق واحد ويترك الآخر
وقال انمار رأيته يرمي بعره مجتمعاً فلو كان أهلب لمصع به فتفرق بعره
 وقال ربيعة رأيت اثر إحدى يديه ثابت والآخر فاسدا فعلمت إنه ازور
 وقال مضر : رأيته يرعى الشق من الأرض يتعداها فيمر بالكلأ الملتق الغض
 فلا ينهش منه حتى يأتي ما هو ارق منه فيرعى فيه ، فعلمت انه شرود
 فقال الأفعى : صدقوا قد أصابوا أثر بعيرك وليسوا بأصحابه ، التمس بعيرك . 
ثم قال الأفعى للقوم من انتم ؟
فاخبروه بما لهم ، فرحب بهم ثم قال: ما خطبكم؟
 فقصوا عليه قصة أبيهم فقال الأفعى :
 فكيف تحتاجون إلي وانتم ما أرى؟
 قالوا امرنا بذلك أبونا ثم أمر بهم ، فنزلوا ، وأمر خادما له على دار الضيافة أن يحسن إليهم ويكرم مثواهم والطافهم بأفضل ما يقدر عليه ، ثم أمر وصيفاً له أن ينظر كل كلمة تخرج من أفواههم فيأتيه بها ، فاتاهم القهرمان بقرص من شهد فأكلوا وقالوا : ما رأينا شهد أعذب من (هذا) ولا احسن ولا اشد حلاوة منه ، فقال إياد : صدقتم لولا أن نحله ألقاه في هامة جبار ، فلما حضر غدائهم وجيء بالشواء فإذا بشاة شوية فأكلوا وقالوا: ما رأينا شواء أجود ولا ارخص لحماً ولا أسمن منه 
فقال انمار : صدقتم لولا انه غذي بلبن كلبة .


.

ثم جاءهم بالشراب فلما شربوا قالوا :
ما رأينا شراباً أعذب ولا أصفى ولا أطيب من رائحته
 فقال ربيعة : صدقتم لو لا أن كرمه نبت على قبر
 ثم قالوا ما رأينا ملك اكرم قرى ولا اخصب رحلا من هذا الملك قال مضر:
 صدقتم لو لا انه لغير أبيه .
 فذهب الغلام الموكل بهم إلى الأفعى فاخبره بما سمع منهم ، فدخل الأفعى على أمه
 فقال أقسمت عليك إلا خبرتني ، فصدقته الخبر
 ثم دعا القهرمان وسأله عن الشهد ، فقال انه وجد في جمجمة
ثم سأل صاحب المائدة عن الشاة
 فقال لقد ماتت أمها وهي صغيرة فرضعت كلبة مع جرائها
فبعث إلى صاحب الشراب وسأله عن الكرمة
 فقال حبة كرم غرستها على قبر أبيك .
 فقال الأفعى : ما هؤلاء القوم إلا شياطين ثم أحضرهم
 فقال إياد: أبى جعل لي خادمة شمطاء وما أشبهها من ماله فقال:
 أن لأباك غنماً برشاء فهي لك ورعاؤها.
وقال انمار : أن أبى جعل لي بدرة ومجلسه وما أشبهها من ماله
قال فلك ما ترك أبوك من الرق والحرث والأرض 
 فقال ربيعة: أن أبى جعل لي فرس ادهماً وبيتا أسود وما شابهها من ماله .
قال أن أباك ترك خيلاً دهماً وسلاحاً فهي لك وما فيها من عبيد . ( فسمي ربيعة الفرس ) .
 فقال مضر : أن أبى جعل لي قبة حمراء من أدم وما أشبهها من ماله .
 فقال أن أباك ترك إبلا حمراء فهي لك وما شابهها من ماله
 فصارت لمضر الإبل والقبة الحمراء والذهب . فسمي ( مضر الحمراء)..