طالما أن الغيب في يد الله فتصوره جميلا
{أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} لا تستبقِ الأحداث، أتريدُ إجهاض الحملِ قبْل تمامِهِ؟! وقطف الثمرةِ قبل النضج؟! إنَّ غداً مفقودٌ لا حقيقة لهُ، ليس له وجودٌ، ولا طعمٌ، ولا لونٌ، فلماذا نشغلُ أنفسنا بهِ، ونتوجَّسُ من مصائِبِهِ، ونهتمُّ لحوادثهِ، نتوقعُ كوارثهُ، ولا ندري هلْ يُحالُ بيننا وبينهُ، أو نلقاهُ، فإذا هو سرورٌ وحبورٌ؟! المهمُّ أنه في عالمِ الغيبِ لم يصلْ إلى الأرضِ بعْدَ، إن علينا أنْ لا نعبر جسراً حتى نأتيه، ومن يدري؟ لعلَّنا نقِف قبل وصولِ الجسرِ، أو لعلَّ الجسرَ ينهارُ قبْل وصولِنا، وربَّما وصلنا الجسر ومررنا عليه بسلامٍ.
إن إعطاء الذهنِ مساحةً أوسع للتفكيرِ في المستقبلِ وفتحِ كتابِ الغيبِ ثم الاكتواءِ بالمزعجاتِ المتوقعةِ ممقوتٌ شرعاً؛ لأنه طولُ أملٍ، وهو مذمومٌ عقلاً؛ لأنه مصارعةُ للظلِّ. إن كثيراً من هذا العالم يتوقُع في مُستقبلهِ الجوعَ العري والمرضَ والفقرَ والمصائبَ، وهذا كلُّه من مُقرراتِ مدارسِ الشيطانِ {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً}.
كثيرٌ همْ الذين يبكون؛ لأنهم سوف يجوعون غداً، وسوف يمرضون بعد سنةٍ، وسوف ينتهي العالمُ بعد مائةِ عام. إنَّ الذي عمرُه في يد غيره لا ينبغي لهُ أن يراهن على العدمٍ، والذي لا يدرِي متى يموتُ لا يجوزُ لهُ الاشتغالُ بشيءٍ مفقودٍ لا حقيقة له.
اترك غداً حتى يأتيك، لا تسأل عن أخبارِه، لا تنتظر زحوفه، لأنك مشغولٌ باليوم.
وإن تعجبْ فعجبٌ هؤلاء يقترضون الهمَّ نقداً ليقضوه نسيئةً في يومٍ لم تُشرق شمسُه ولم ير النور، فحذار من طولِ الأملِ.
عائض القرني
0 تعليقات
شكرا لتعليقاتكم الكريمة